الصفحة الرئيسية  متفرّقات

متفرّقات هكذا تحول أبو بكر البغدادي من الإنطوائية والشغف بكرة القدم إلى زعامة الدولة الإسلامية

نشر في  08 سبتمبر 2015  (15:53)

ولد إبراهيم عواد إبراهيم البدري في سنة 1971 في سامراء، وهي مدينة عراقية قديمة تقع على الحافة الشرقية من المثلث السُني شمالي بغداد. وكان نجلَ رجلٍ تقي يدرّس تلاوة القرآن الكريم في مسجدٍ محلي. أما إبراهيم نفسه، فقد كان منطوياً، قليل الكلام، وبالكاد يُسمع صوته عندما يتحدث.

والجيران الذين عرفوه عندما كان مراهقاً يتذكرونه كشخصٍ خجول لا يختلط بالآخرين. وحتى عندما كان الناس يصطدمون به خلال مباريات ودية في كرة القدم ، وهي رياضته المفضلة، كان يظلُّ محتفظاً بهدوئه ولا يبدو عليه أي انفعال. ولكن صوراً شخصية له من تلك السنوات تُظهر صفة أخرى مغايرة: حدةٌ صارمة في العينين الداكنتين تحت جبهةٍ سميكة مجعدة.

في وقتٍ مبكر، كانت كُنية إبراهيم هي “المؤمن”. وعندما لم يكن في المدرسة، كان يقضي معظم وقته في المسجد المحلي، منهمكاً في دراساته الدينية. وعندما يعود إلى بيته في نهاية اليوم، حسبما أفاد شامسي، أحد أشقائه، كان يُسارع الى وعظ أي شخصٍ يضلَّ الطريق ولا يتقيد بتعاليم الشريعة الإسلامية.

أصبح إبراهيم البدري الآن معروفاً للعالم باسم “أبو بكر البغدادي”، حاكم الدولة الإسلامية أو ما يُعرف بداعش، وأصبحت لديه القدرة ليس على وعظ أي شخصٍ داخل الأراضي الواقعة تحت سيطرته إنْ لم يكن إيمانه مطلقاً فحسب بل على معاقبته وحتى إعدامه. ويلقبه أتباعه بـ “أمير المؤمنين”، وهو لقبٌ مخصصٌ للخلفاء، وهم الحكام الروحيون والزمنيون الأعلى من أيام الإمبراطورية الإسلامية العظمى من العصور الوسطى. ورغم أن مملكته الخاصة أصغر من ذلك بكثير، فهو يحكم الملايين من الرعايا. وبعضهم موالون له بتعصب، أما كثيرون آخرون فينحنون له خوفاً من العواقب الدموية لتحديهم نسخته الوحشية عن الإسلام.

منذ صعود البغدادي المفاجئ في العام – 2014 عندما اتخذ دور ذلك الوحش الذي أمر بذبح وحتى حرق من يعتبرهم أعداءه وهم على قيد الحياة ثم بثَّ المشهد على موقع اليوتيوب – والمقالات الإخبارية والكتب تتبع مسيرة تطرفه وتنسبها إلى فترة الغزو الأمريكي للعراق في العام 2003. ورغم أن الغزو الأمريكي أشعل النار ومكنّها من الانتشار، غير أنَّ تطرف البغدادي قد بدأ، في الواقع، قبل ذلك بكثير. وأوقد هذا التطرف في نفسه الأصولية الدينية، وشمولية صدام حسين العلمانية، وحاجته للسيطرة على الآخرين.

المرتِّل (قارئ القرآن)

كانت عائلة البغدادي، التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة الدنيا، معروفة بتقواها، وفخرها بنسبها والسلالة التي تنحدر منها. وقال جدوده، وهم من الطائفة السُنية، إنهم ينحدرون من سلالة النبي محمد عبر القادة الشيعة، الذين يرقدون في ضريح القبة الذهبية في سامراء. ويمثل نسب البغدادي حالة واحدة من الهويات الدينية المتعددة والمتداخلة في العراق، والتي تتناقض مع الشرخ المفترض القديم بين السُنة والشيعة. وقد قام تنظيم القاعدة بتفجير الضريح بعد سنوات إبان الغزو الأمريكي للعراق، في محاولةٍ لجعل هذا الانقسام واقعاً راسخاً.

كان ربُّ الأسرة، عواد، والد البغدادي، نشطاً في الحياة الدينية للمجتمع. وبدأ الأمر في المسجد، حيث كان والده يقوم بالتدريس، إذ حصل البغدادي في سن المراهقة على باكورة نشاطه كمدرّس، يقود أطفال الحي في ترديد تلاوة القرآن. وكانت هذه أول تجربةٍ له في مجال الخطابة والتعليم الديني. وحين كان يرتل القرآن، وهي مهنة تحظى بالمهابة في الإسلام، امتلئ صوته الهادئ بالحياة، فنطق الحروف في نبرات ثابتة يتردد صداها. وكان يكرس ساعاتٍ لا تُحصى من وقته لإتقان التفاصيل الدقيقة لفن التلاوة والترتيل.

ورغم تديّن عائلة البغدادي، فقد انضم بعض أعضائها إلى حزب البعث، وهو منظمة اشتراكية مكرسة لهدف الأمة العربية الواحدة. ومع أن القادة البعثيين كانوا متساهلين مع التعبد الديني الخاص، لا بل حتى يشجعونه أحياناً باعتباره متنفساً للحماسة الدينية، إلَّا أنهم كانوا حذرين من النشاط الديني باعتباره يُشكل تهديداً لحكمهم. وقد هيمنت الأفكار البعثية على الساحة السياسية العراقية وعلى أجهزة الدولة منذ أواخر الستينيات، مما دفع المواطنين الذين يريدون وظائف حكومية للانضمام إلى الحزب، بغض النظر عن قناعاتهم الشخصية.

خدم اثنان من أعمام البغدادي في أجهزة الأمن في عهد صدام، وأصبح أحد أشقائه ضابطاً في الجيش. كما خدم أخ آخر له في الجيش وقُتل خلال الحرب الضروس التي استمرت ثماني سنوات، عندما حارب العراق ضدَّ إيران في الثمانينيات، بدعمٍ ضمني من الولايات المتحدة. وربما كان البغدادي سينتهي إلى المصير ذاته لو استمرت الحرب لفترة أطول قليلاً، أو لو أن قِصَر البصر الذي يعاني منه لم يجعله غير مؤهلٍ لتأدية الخدمة العسكرية.

 الجدران